الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا التعذيب 

اليوم العالمي للتضامن مع ضحايا التعذيب 

29.06.2021
د. سعيد الشهابي


القدس العربي 
الاثنين 28/6/2021 
مرت قبل يومين مناسبة اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب في ظروف عربية لم تتغير كثيرا في مجال الحريات وحقوق الإنسان. 
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة، قد أعلنت في قرارها رقم 52/149 عام1997، السادس والعشرين من يونيو/حزيران يوماً دولياً للأمم المتحدة لمساندة ضحايا التعذيب، بهدف "القضاء التام على التعذيب وتفعيل اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة". يومها قال السيد كوفي عنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة: "في هذا اليوم نتقدم بخالص احترامنا لهؤلاء الذين قاسوا ما لا يمكن أن نتخيله. هذه فرصه للعالم ليتحدث ضد المسكوت عنه. لقد تأخرنا كثيرا لنكرس هذا اليوم لضحايا التعذيب والناجين منه حول العالم". وسُجل خلال الثمانينيات والتسعينيات تقدم في استحداث المعايير والمواثيق الدولية لمكافحة التعذيب. فأنشأت الجمعية العامة في العام 1981 صندوق الأمم المتحدة للتبرعات لضحايا التعذيب من أجل تمويل المنظمات التي تقدم المساعدة لضحايا التعذيب وأسرهم. واعتمدت الجمعية العامة في العام 1948 اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، التي دخلت حيز النفاذ في العام 1987. وهناك هيئة تتألف من خبراء مستقلين، وهي لجنة مناهضة التعذيب مهمتها مراقبة مدى تنفيذ الدول التزاماتها بموجب معاهدة مكافحة التعذيب. وفي العام 1985 عيّنت لجنة حقوق الإنسان أول مقرر خاص معني بمسألة التعذيب، وهو خبير مستقل أوكلت له مهمة الإبلاغ عن حالة حقوق الإنسان في العالم. وخلال الفترة نفسها، اعتمدت الجمعية العامة قرارات سلّطت الضوء فيها على دور موظفي الصحة في حماية السجناء والمحتجزين من التعذيب، ووضعت مبادئ عامة لمعاملة المحتجزين. وفي عام 1997، أعلنت الجمعية العامة يوم 26 يونيو/حزيران اليوم العالمي للأمم المتحدة لمساندة ضحايا التعذيب. ويعتبر التعذيب واحدة من "الجرائم ضد الإنسانية". 
برغم ذلك هل توقفت تلك المعاملة الحاطة بالكرامة الإنسانية؟ هل انتشرت ثقافة دولية تجرّم مرتكبي هذه الجريمة؟ ام أن هذا الاهتمام الدولي تم تكريسه لخدمة بعض المصالح السياسية للدول ذات الشأن؟ كم من المعذّبين تمت محاكمتهم سواء أمام اجهزة القضاء المحلية او الدولية؟ وكم من ضحايا التعذيب نالوا حقوقهم في مقاضاة جلاديهم أو الحصول على تعويضات أم إعادة التأهيل؟ في السنوات الأخيرة طرحت الولايات المتحدة ما سمي "قانون ماغنيتسكي" وهوَ مشروع قانون قُدّم من قبل الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الكونغرس الأمريكي وصادقَ عليه الرئيس باراك أوباما عام 2012. ينصُ القانون على مُعاقبة الشخصيات الروسية المسؤولة عن وفاة محاسب الضرائب سيرغي ماغنيتسكي في سجنه في موسكو عام 2009. ومنذ 2016 بدأ تفعيل هذا القانون على مستوى العالم مما يخوّلُ الحكومة الأمريكية فرضَ عقوبات على منتهكي حقوق الإنسان في كل أنحاء العالم من خلالِ تجميد أصولهم وحظرهم من دخول الولايات المتحدة، وقد تمتدُ العقوبات لأمور أخرى. وكغيره من المواثيق الدولية تهيمن ظاهرة "الانتقائية" على هذا القانون الذي يُستخدم سلاحا ضد الدول غير الصديقة. هذا برغم أن الإدارات الامريكية على علم بمرتكبي تلك الجريمة في الدول الصديقة. ويُسجّل للتقرير السنوي الذي تصدره الخارجية الأمريكية شموله وموضوعيته في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في دول العالم. ولذلك هناك استغراب شديد من التباين الفاقع بين محتوى التقرير وسياسات وزارة الخارجية إزاء الأنظمة الصديقة للولايات المتحدة. 
 
إن الصمت لن يغيّر الواقع، والمطلوب عمل شعبي وحقوقي وسياسي مشترك يفضي لتجريم التعذيب والتضامن مع ضحاياه وتفعيل الوسائل القضائية المحلية أو الدولية لضمان توقف تلك المعاملة 
 
التعذيب ممارسة تحط بكرامة الإنسان، ولذلك اعتبر جريمة قانونية يُفترض أن يُعاقب من يمارسها لأنها تهدف لسلب الإنسانية من السجين السياسي بشكل خاص. فالتعذيب يهدف لكسر إرادة المعتقل، فإذا تحقق ذلك استطاع المعذُب إخضاع السجين لإرادته وفرض عليه ما يريد من "اعترافات". وكسر الإرادة يعني نزع السمة الإنسانية الاساسية لدى هذا المخلوق. فما يميزه عن بقية المخلوقات امتلاكه الإرادة التي تجعله قادرا على مقاومة رغباته. فيستطيع أن يمتنع عن الطعام وهو جائع مثلا، او عن الكلام عندما يستفزه الآخرون. اما الطغاة والمستبدون فلديهم هدف مغاير لذلك تماما، فهم يسعون لكسر إرادة معارضيهم بكافة الوسائل، ومنها التعذيب. وبهذا تتلاشى أهم سمة تميز الإنسان عن الحيوان. وما أكثر السجناء السياسيين الذين يصمدون أمام الجلادين، ولكن الكثيرين منهم يصلون حالة من الألم والأذى النفسي تؤدي لكسر إرادتهم فيبدأون بتنفيذ ما يريده معذّبوهم. هنا يحصل الجلاد ما يريده من "اعترافات" يستخدمها أساسا لإدانة السجين الذي يكون، في أكثر الحالات، بريئا. ويؤكد خبراء الأمم المتحدة أن التعذيب غالبا لا يوفر معلومات مفيدة للجلادين، لأن ما يقوله الضحايا منتزع بالإكراه ليتطابق مع ما يريده الجلاد وليس مع الواقع. وحيث أن الأنظمة القمعية لا تفصل بين السلطات، فإن القضاء مرتبط بالسلطة التنفيذية التي تدير السجون التي يُمارَس التعذيب فيها. لذلك يبني "القاضي" حكمه على أساس "الاعترافات" المنزوعة تحت التعذيب. وقد اقترنت "المحاكمة غير العادلة" بـ "سحب الاعترافات تحت التعذيب أو الإكراه". وهكذا تُصنّف الأحكام التي تصدرها محاكم الأنظمة القمعية بأنها "غير عادلة". مع ذلك يتم تنفيذ الأحكام التي لا يجدي معها الطعن او الاستئناف. وما أكثر الاشخاص الذين أعدموا بسبب "الاعترافات" المنزوعة تحت التعذيب. 
وتعاني دول المنطقة من هذه الممارسة الحاطة بالكرامة الإنسانية. وتبرز هذه الممارسة بشكل ممنهج في سجون الاحتلال الإسرائيلي. فمنذ قيام دولة الاحتلال في 1948 لم يتوقف جهاز الأمن الإسرائيلي عن ممارسة التعذيب الممنهج للفلسطينيين بأساليب متعددة. وعلى الرغم من أن بلدانًا كثيرةً تبنت حظر التعذيب في تشريعاتها المحلية (وإنْ كان لا يزال يُمارس على نطاق واسع تحت غطاء الأمن القومي) فإن إسرائيل اتخذت مسارًا مختلفًا، حيث لم تسن تشريعات محلية تحظر استخدام التعذيب، بل سمحت محاكمُها باستخدام التعذيب في حالات "الضرورة". وهذا مكَّن جهاز الأمن الإسرائيلي من استخدام التعذيب على نطاق واسع ضد المعتقلين السياسيين الفلسطينيين. وقبل أقل من عامين وصفت منظمة العفو الدولية ما حدث للشاب سامر العربيد آنذاك بأنه "تعذيب بموجب القانون". فقد اعتقل الجنود الإسرائيليون العربيد في منزله برام الله في 25 أيلول/سبتمبر 2019، وأوسعوه ضربًا قبل اقتياده إلى مركز اعتقال المسكوبية في القدس لاستجوابه والتحقيق معه. وبعد يومين، أُدخل المستشفى نتيجة التعذيب القاسي حسب محاميه، ورقد في حالة حرجة لأسابيع عدة. وكانت هيئة قضائية قد أجازت لجهاز المخابرات الإسرائيلي، الشّاباك، استخدامَ "أساليب استثنائية" لانتزاع المعلومات في هذه الحالة دون الرجوع إلى المحاكم. ولا يقل إيذاء قتل الناشط الفلسطيني الأسبوع الماضي، نزار بنات، بعد اعتقاله وتعذيبه حتى الموت من قبل أجهزة أمن السلطة الفلسطينية. 
إن التعذيب جريمة كبيرة تمارس بحق دعاة الإصلاح وطلاب الحرية من قبل الديكتاتوريين المدعومين من دول "العالم الحر" بشكل خاص. هذا الدعم يسعى في السنوات الاخيرة لتبييض تلك الممارسة بأساليب شتى من بينها التشويش عليها بإقامة منظمات "حقوقية" هدفها الدفاع عن الجلادين. في هذه المناسبة يقتضي الأمر تقويم الأمور بشكل إنساني وموضوعي بتعاضد القوى الخيّرة للتصدي لهذه الأساليب التي تعتبر حربا على الإنسانية وامتهانا لكرامة الإنسان الذي كرّمه الله. إن الصمت لن يغيّر الواقع، والمطلوب عمل شعبي وحقوقي وسياسي مشترك يفضي لتجريم التعذيب والتضامن مع ضحاياه وتفعيل الوسائل القضائية المحلية أو الدولية لضمان توقف تلك المعاملة وصون حقوق الإنسان وكرامته.